شرح الباحث المتخصص في شؤون إفريقيا جنوب الصحراء، رولان مارشال، في مقاله بصحيفة لوموند، أنّ جذور النزاع في السودان داخلية بالأساس، غير أنّ السياق الدولي الراهن يفسّر استمرار الحرب وتصاعد عنفها. وأوضح أنّ المجتمع الدولي بدأ يولي اهتماماً متزايداً لما يجري، بعد سقوط مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور السابقة، في أيدي قوات الدعم السريع يوم 26 أكتوبر 2025، أي بعد عامين ونصف من اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023، وأربعة أعوام من الانقلاب العسكري الذي أنهى المسار المدني الانتقالي الذي قاده حراك شعبي ضد حكم عمر البشير المستمر منذ 1989 حتى 2019.

أثار حجم المجازر في دارفور منذ 25 أكتوبر موجة تعاطف واسعة، كما حدث عام 2004 حين صدمت المجازر المتكرّرة الرأي العام العالمي. وأشار مارشال إلى أنّ الحلول السياسية التي وعدت بها الدبلوماسية الدولية آنذاك لم تتحقق، بسبب ضعف الضغط على حكومة الخرطوم والجماعات المسلحة في دارفور، إذ انصبّ الاهتمام حينها على استقلال جنوب السودان. وانشغل العالم بإغاثة الضحايا عوض معالجة جذور الأزمة البيئية والاجتماعية والسياسية التي مهّدت لحدوث المذابح، وهو ما سمح باستمرار مناخ الإفلات من العقاب.

وبيّن الكاتب أنّ القوى المسلحة المتورطة اليوم هي ذاتها التي شاركت في صراعات الأمس، وإن تغيّرت ملامحها وازدادت شيخوخة، لكنها ما زالت تتنافس على السلطة بلا اكتراث بالمجتمعات التي تدّعي الدفاع عنها. غير أنّ العنصر الجديد، وفق مارشال، هو التحوّل الجذري في الدينامية الدولية: فقد تراجعت مبادئ القانون الدولي، وبرزت قوى متوسطة جديدة تسعى كل منها إلى فرض رؤيتها على مستقبل السودان، وشكل نظامه السياسي، وهويّة قادته، وطرق استغلال موارده الطبيعية، واتجاه تحالفاته الإقليمية.

وأوضح مارشال أنّ هذه القوى الخارجية — سواء كانت دولاً عربية، أو أفريقية، أو آسيوية — تسعى إلى تثبيت نفوذها عبر دعم أحد الطرفين المتقاتلين، وتزويده بالسلاح أو المال أو الغطاء السياسي، مما يجعل الحرب أكثر استعصاء على الحل. وأضاف أنّ كثيراً من هذه الدول لا تبحث عن مصلحة السودان، بل عن مكاسب استراتيجية واقتصادية مرتبطة بموقعه وثرواته المعدنية والزراعية.

وأشار الباحث إلى أنّ السودان أصبح ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية، مثل الإمارات ومصر والسعودية وروسيا وتركيا وإيران، وكل طرف يحاول توظيف الصراع لخدمة مصالحه. وأكد أنّ هذا التدخل المتعدد الاتجاهات يجعل وقف القتال مهمة شبه مستحيلة، لأنّ كل وسيط محتمل له أجندته الخاصة.

كما ذكّر مارشال بأنّ المجتمع الدولي تعامل مع الأزمة السودانية ببرود طويل، إذ اكتفى ببيانات الشجب والمساعدات الإنسانية، دون تبنّي مقاربة حقيقية لمعالجة الأسباب البنيوية للنزاع، مثل فشل الدولة، وتهميش الأقاليم، وتنافس الأجهزة العسكرية على السلطة. واعتبر أنّ تجاهل جذور الأزمة جعل الحرب الأهلية الحالية استمراراً طبيعياً لعقود من سوء الحكم وانقسام النخب.

ورأى الكاتب أنّ السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو استعادة سيادة وطنية حقيقية تُقصي التدخلات الأجنبية، وتُعيد بناء المؤسسات المدنية على أسس عادلة وشاملة. ودعا القوى الدولية إلى الكفّ عن دعم الأطراف المتحاربة، لأنّ استمرار هذا الدعم يغذّي الصراع ويضاعف معاناة المدنيين.

واختتم مارشال مقاله بالتأكيد على أنّ الحرب في السودان ليست مأساة محلية فحسب، بل مرآة لعالم يتخلّى تدريجياً عن مبادئ القانون الدولي والعدالة الجماعية، ويترك الشعوب تُقاتل وحدها في حروب تُدار بمصالح الآخرين.

https://www.lemonde.fr/en/opinion/article/2025/11/07/many-countries-are-helping-perpetuate-the-war-in-sudan_6747203_23.html